فصل: الفصل الثاني تشريح عظام القحف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون **


  المقدمة

البحث الأول اختلاف الحيوانات في الأعضاء

البحث الثاني فوائد علم التشريح

البحث الثالث إثبات منافع الأعضاء

البحث الرابع مبادئ العلم البحث

  القسم الأول صور الأعضاء الباطنة

وأما المشهور والمستعمل فإن معنى المفصل عند الِأطباء هو موضع التقاء عضوين التقاء طبيعياً وإنما قلنا التقاء طبيعياً ليخرج التقاء العظام وإنما سمي ذلك مفصلاً لأن هناك ينفصل جرم كل واحد من العظمين من الآخر‏.‏

قال جالينوس‏:‏ المفصل تأليف طبيعي للعظام وفي بعض النسخ عوض التأليف تركيب‏.‏

والتأليف أولى لأنه ضم شيء إلى شيء بينهما تأليف أي تناسب‏.‏

وتركيب المفصل لا بد وأن يكون كذلك لأن الجزأين لا بد وأن يكون بينهما تناسب في المقدار والشكل ونحوهما‏.‏

لكن جالينوس قال بعد ذلك‏:‏ ومعنى قولي تركيب وتأليف ومجاورة وملاقاة معنى واحد واعلم أن هذا الحد مشكل من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن المفصل ليس بتأليف ولا تركيب بل هو متألف فإن التأليف هو ما يفعله المؤلف وذلك يرتفع عند ارتفاع فعله‏.‏

وثانيهما‏:‏ أن العظام الملتحمة بالطبع يصدق على لحامها أنه تأليف طبيعي وهو عند جالينوس ليس بمفصل لأنه قال‏:‏ إن تركيب العظام على قسمين أحدهما على جهة والمفصل على جهة الالتحام‏.‏

قال‏:‏ والالتحام اتحاد طبيعي للعظام‏.‏

بقي ههنا بحث وهو لزوم أن يشترط في المفصل أن يكون من عظمين كما هو ظاهر كلام جالينوس حيث يشترط ذلك‏.‏

فإن كان الأول لم يشترط التقاؤهما إذ أكثر المفاصل لا بد وأن يكون بين عظمها إما غضروف واحد كما في عظام القص وإما غضروفان كما في المفاصل المتحاكة كمفاصل اليدين والرجلين‏.‏

فإن كل عظم منها على رأسه غضروف فيكون الالتقاء بين الغضروفين لا بين العظمين‏.‏

فإن كان الثاني فلا يكون المفصل فالالتقاء شرط‏.‏

وأما أي هذين أولى فلقائل أن يقول إن الأول أولى لأنه الظاهر من كلام الأطباء لأنهم يقولون مفاصل عظام القص ومفاصل عظام اليدين والرجلين‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ بل الثاني أولى‏:‏ لأنه المفهوم في العرف الظاهر العام من اصطلاح الأطباء لذلك‏.‏

وأنه أقرب إلى المفهوم اللغوي‏.‏ والذي يظهر لي والله أعلم أن هذا الثاني أولى‏.‏

وقول جالينوس‏:‏ تأليف طبيعي للعظام وقول الأطباء عظام القص أو مفاصل عظام اليدين والرجلين يريدون بالعظام ها هنا ما يدخل فيه الغضاريف التي بين العظام فإن الناس من عادتهم أن يعدوا هذه من العظام‏.‏

وعلى هذا فالمفاصل منها ما يكون من عظمين كعظام الرأس ومنها ما يكون من غضروفين كالمفاصل التي بها الحركة في العظام الكبار التي في اليدين والرجلين‏.‏

ومنها ما يكون بين عظم وغضروف كمفاصل القص وكتلك التي في اليدين والرجلين التي بين العظام والغضاريف في أطرافها هي وإنما ابتداء الأطباء في التشريح بالعظام لأمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنها في مباشرة التشريح تظهر أو لاً لأجل تميزها في الحس لأجل كبرها ومتابعة أشكال الأعضاء كلها بشكلها‏.‏

وثانيهما‏:‏ أن الابتداء ينبغي أن يكون بالأعضاء البسيطة لتقدم العضو البسيط على المركب في الطبع وأولى البسائط بالتقدم هو العظام فإن كل عضو ذي عظم فإن تكون عظمه متقدم على تكون جميع أجزائه كما أن شكله تابع لشكل عظمه‏.‏ وإنما يكون ذلك إذا كان تكون العظم أو لاً‏.‏

فإن قيل‏:‏ كان ينبغي أن نبتدئ أو لاً بتشريح العضو الذي يتكون أو لاً وهو القلب أو الكبد أو الدماغ أو السرة على اختلاف الآراء‏.‏

قلنا‏:‏ معنى قولهم إن هذه الأعضاء إنما تتكون أو لاً لا بمعنى خلقتها تتم قبل تتمة خلق العظام فإن من جملة أجزاء الرأس عظام القحف‏.‏

فكيف يكون تكونه قبلها بل معنى ذلك أن ابتداء فعل المصورة هو في هذه الأعضاء‏.‏

ولكن تخلقها يتأخر والجسم الصلب من كل حيوان منزلته بمنزلة العظام من الحيوان الذي له عظم وتختلف الحيوانات بحسب ذلك‏.‏

فمن الحيوانات ما لا يوجد ذلك فيه البتة كالدود وبعض السمك وهذا الحيوان يكون واهي الخلقة لا محالة ومنها ما يوجد ذلك فيه فإما في ظاهره فقط أو في باطنه فقط‏.‏

أو يكون متفرقاً بينهما في بدنه‏.‏

والأول إما أن يكون ذلك غليظاً جداً كما في السلحفاة رقيقاً جداً كما في المحرزات أو متوسطاً بين هذين كما في السرطان والثاني‏:‏ وهو أن يكون الصلب في الباطن فقط وذلك كما في مالاقيا والثالث‏:‏ إما أن تكون تلك العظام كلها شديدة الصلابة مصمتة وذلك كما في الأسد‏.‏

أو لا تكون كذلك وذلك كما يكون في الإنسان والفرس وعظام الإنسان تنقسم بوجوه من القسمة‏.‏

أحدها‏:‏ بحسب قوامها‏.‏

فإن منها ما هو شديد الصلابة كالعظم الوتدي ومنها ما هو شديد اللين بالنسبة إلى باقي العظام كعظام اليافوخ خاصة مقدمه‏.‏

ومنها ما هو متوسط بين هذين القسمين كعظام اليدين والرجلين‏.‏

وثانيها‏:‏ بحسب العدد‏.‏

فإن من العظام ما إنما يوجد في البدن من نوعه عظم واحد فقط كالعظم الوتدي والعظم اللامي‏.‏

ومنها ما يوجد منه عظمان كعظمي الكتف وعظمي العضدين وعظمي الفخذين ومنها ما يوجد منه أربعة فقط كعظام الساعدين وعظام الساقين‏.‏

ومنها ما يوجد منه أكثر من ذلك كعظام الأنامل وعظام الكفين والقدمين وعظام الأضلاع والفقرات‏.‏

ثالثها‏:‏ بحسب المقدار‏.‏

فإن منها ما هو عظيم جداً كعظمي الفخذين ومنها ما هو صغير جداً كالعظام السمسمانية‏.‏

ومنها ما هو بين هذين إلى الصغر كعظام الأنامل وعظام المشط والرسغ أو إلى العظم كعظام الساقين والزندين والعضدين‏.‏

وقد قسم الشيخ العظام في هذا الفصل بحسب أمور ثلاثة نحن نضع كل واحد منها في بحث يخصه‏.‏ والله ولي التوفيق

  البحث الأول تقسيم العظام بحسب منفعتها في البدن

قال السيخ الرئيس رحمة الله عليه نقول‏:‏ إن من العظام ما قياسه من البدن قياس الأساس وعليه مبناه يعتمد مثل فقار الصلب فإنه أساس البدن عليه يبنى كما تبنى السفينة على الخشبة التي تنصب فيها أو لاً‏.‏

إلى قوله‏:‏ وجملة العظام دعامة وقوام البدن‏.‏

الشرح قد قسم الشيخ العظام ها هنا بحسب منفعتها إلى خمسة أقسام‏:‏ أحدها‏:‏ أن من العظام ما قياسه من البدن قياس الأساس عليه يبني البدن كما تبنى السفينة على الخشبة التي تنصب فيها أو لاً وهي الخشبة التي توضع أو لاً في وسط أسفل السفينة ممتدة في طولها من الطرف إلى الطرف ثم توصل بها أضلاع السفينة وتوصل بتلك الأضلاع باقي خشبها كذلك هذا القسم من العظام‏.‏ وهو عظم الصلب‏.‏

فإن المستلقي من الناس يكون هذا العظم فيه على هيئة تلك الخشبة في تلك السفينة‏.‏

واتصال أضلاع الإنسان بهذا العظم كاتصال أضلاع السفينة بتلك الخشبة لكنهما مختلفان في شيء واحد وهو أن تلك الخشبة تجعل قطعة واحدة أو يحكم اتصال بعضها ببعض حتى تكون كالقطعة الواحدة وعظام الصلب ليست كذلك إذ لبعضها مفاصل سلسلة وسبب ذلك أن الإنسان احتيج أن تكون له حركة انثناء وانعطاف إلى قدام وخلف وإلى جانبين‏.‏

وإنما يمكن ذلك بأن تكون بعض مفاصل هذا العظم سهلة المواتاة للحركة وإنما يكون كذلك إذا كانت سلسلة ولا كذلك السفينة فإن وضع هذه الخشبة فيها أريد به القوة والثبات‏.‏

وإنما يتم ذلك إذا كانت قطعة واحدة أو محكمة كالقطعة الواحدة وأيضاً فإن هذا العظم للبدن كالأساس للبناء لان الأساس يبنى أو لاً ثم يبنى عليه باقي أجزاء البناء وكذلك هذا العظم في البدن‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ إنكم قد بينتم أن العظام كلها كالأساس والدعامة فلم جعلتم ذلك ها هنا خاصاً بهذا الصنف منها قلنا‏:‏ الذي اختص به هذا الصنف أنه كالأساس والدعامة لجميع البدن وأما سائر العظام فإنما هي كذلك للأعضاء التي تكون فيها‏.‏

وثانيها‏:‏ أن من العظام ما قياسه من البدن قياس المجن والوقاية كعظام اليافوخ وسبب ذلك أن الدماغ احتيج أن يكون موضعه في أعلى البدن لما نذكره بعد‏.‏

وجوهره شديد اللين فيكون شديد القبول للتضرر بما يلاقيه ولو بأدنى ضغط فاحتيج أن يكون مصوناً عن ملاقاة ما يصل إليه من جميع الجهات وإنما يمكن ذلك بأن يحوط من جميع النواحي‏.‏

ولا يمكن أن يكون ذلك بعضو لين وإلا لم يكن له غنى فلا بد وأن يكون بعضو صلب يشتمل عليه من كل جهة وذلك هو عظام الرأس‏.‏ فيكون الغرض الأقصى في خلقه هذه العظام هو أن تكون كالجنة للدماغ‏.‏

وهذه المنفعة ليست بالذات للبدن كله ولا كذلك منفعة الصلب إذ هي منفعة بالذات للبدن كله كما بان عن أنها أساس للبدن بجملته وهذه العظام للدماغ كالأضلاع للقلب‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ ما السبب في خلقه هذه العظام متصلة لا فرج بينها بخلاف الأضلاع مع أن القلب أشرف فكان ينبغي أن تكون جنته أشد صوناً قلنا‏:‏ السبب في ذلك أمران‏:‏ أحدهما أن الأضلاع موضوعة حيث ينالها الحس ولا كذلك الرأس فإنه غائب عن حراسة الحواس فاحتيج أن يكون الاحتياط في توقيته أكثر‏.‏

وثانيهما‏:‏ أن الصدر احتيج فيه إلى حركة انبساط وانقباض بإرادة ليست طبيعية كما بيناه‏.‏

وإنما يتم ذلك بخلقة العضل‏.‏ ويحتاج أن تكون هذه العضلات كبيرة جداً وكثيرة لأن هذه الحركة عسرة فلو جعلت عظام الصدر متصلة ببعضها البعض لاحتيج إلى خلقة تلك العضلات فوقها واعلم أن لتخلل العضلات بين الأضلاع منفعة أخرى وهي تحلل البخارات وثالث الأقسام المذكورة‏:‏ أن من العظام ما قياسه من البدن قياس السلاح الذي يدفع به المؤذي كالسناسن‏.‏

وهي عظام موضوعة على ظهور الفقرات لتمنع وصول المؤذي بعقب الملاقاة إلى الفقرات‏.‏

واحتيج إليها لأن ظهور الفقرات هو إلى خلف البدن فيكون حيث لا تشعر به الحواس‏.‏

فاحتيج أن تكون صيانتها من هناك شديدة فخلقت له هذه العظام وهي بمنزلة الزوائد التي هي على حجارة جدران القلاع وأسوار المدن إذ الغرض بتلك الزوائد منع وصول صدمة ما يلاقي من تلك الحجارة المنجنيق ونحوها وكذلك هذه العظام للفقرات‏.‏

ورابعها‏:‏ أن من العظام ما هو حشو بين المقاصل لتملأ الفرج كالعظام السمسمانية‏.‏

وهي عظام صغيرة جداً توجد بين السلاميات فائدتها‏:‏ منع الانجراد الذي توجبه ملاقاة أحد العظمين المتحركين للآخر إذ لم يمكن أن يكون بينهما غضاريف لئلا يثقل‏.‏ وأيضاً ليمنع ميل السلاميات إلى الجهات فتكون الأصابع مستقيمة‏.‏ هذا على ما قالوه وأما أنا فيظهر لي والله أعلم أن هذه العظام لا وجود لها‏.‏

وخامسها‏:‏ أن من العظام ما الحاجة إليه أن يكون علاقة لبعض الأعضاء كالعظم اللامي‏.‏

فإن الفائدة فيه أن تتعلق به عضلات الخد واللسان لأن فعل العضل إنما يتم بالتقلص الجاذب للعضو والانبساط المرخي للوتر حتى ينبسط العضو المتحرك وإنما يكون هذا التقلص جيداً إذا كانت العضلة متشبثة بجسم يلبث عندها‏.‏

وإلا كان ثقل المراد تحريكه ربما غلب تشبث العضلة فنحاها عن موضعها ولم يتحرك هو ولا بد وأن يموت هذا العضو الذي تتشبث به العضلة صلباً وإلا كان ربما يمتد عند غلبة ثقل العضو الذي يراد تحريكه‏.‏

فلا بد وأن يكون عظماً أو شبيهاً به كالغضاريف ولو جعل ها هنا غضروفياً لاحتيج أن يكون له ثخن يعتد به‏.‏ وإلا كان ربما ينعطف عند قوة التقلص أو ينقطع‏.‏

ولو جعل ثخيناً لم يحتمله هذا الموضع فاحتيج أن يكون عظماً ليمكن أن يكون رقيقاً‏.‏

فهذه هي الأقسام المذكورة في الكتاب‏.‏ وللعظام أقسام أخر بحسب المنفعة‏.‏

فمنها ما هو بمنزلة الخشبة التي تدفع بها ما يميل من البناء ونحوه ليمنعه من إتمام الميل وذلك كالعظم الوتدي لعظام الفك الأعلى فإنه يمنعها عن الميل إلى الداخل وكذلك عظم العقب فإنه يمنعه ميل البدن كله عند القيام إلى خلف ومنها ما هو ممر كا الممر ينقذ من داخل إلى خارج ومن خارج إلى داخل ويكون بمنزلة الدهليز كعظام الأنف فإنها ممر لفضول الدماغ المندفعة إلى خارج والهواء المنجذب عند الاستنشاق إلى داخل ومنها ما هو لتحسين الخلقة كعظام الزوج فإنها تمنع حصول الثلم التي في مواضعها ليكون سطح ما عليها

  البحث الثاني تقسيم العظام بحسب تجاويفها ما تحتوي عليه من التجاويف

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وجملة العظام دعامة وقوام للبدن وما كان من هذه العظام إنما يحتاج إليه للدعامة فقط أو للوقاية ولا يحتاج إليه لتحريك الأعضاء فإنه خلق مصمتاً وإن كان فيه المسام والفرج التي لا بد منها‏.‏ إلى قوله‏:‏ والعظام كلها متجاورة متلاقية‏.‏

الشرح كل عضو ولا بد أن يكون في جرمه خلل ينفذ فيه الغذاء إلى عمقه وهذا الخلل إن لم يكن محسوساً سمي مساماً ويسمى ما كان خلله من العظام كذلك مصمتاً لأنه مصمت في الحس وإن كان ذلك الخلل محسوساً فإما أن يكون متفرقاً في جرم العضو كما في عظم الفك الأسفل فيسمى ما كان من العظم كذلك هشاً متخلخلاً أو لا يكون متفرقاً في جرمه بل مجتمعاً في موضع واحد فيسمى ما كان من العظام كذلك مجوفاً‏.‏

وكل عظم فإما أن يكون صغيراً جداً كالأنملة بل كالعظام السمسمانية فلا يحتاج فيه إلى تجويف محسوس لأن هذا لصغره يتمكن الغذاء من النفوذ إلى قعره بسهولة لقصر المسافة أو لا يكون صغيراً‏.‏

فإما أن يكون المقصود منه الحركة أو آلة الدعامة والوقاية أو مجموع الأمرين‏.‏

والحركة تحوج إلى الخفة وذلك يقتضي التجويف‏.‏ والدعامة والوقاية يحوجان إلى قوة الجرم وذلك يحوج إلى عدم التجويف وإذا اجتمع الأمران روعي كل واحد منهما وتكون أكثر العناية مصروفة إلى الأهم منها وهو الذي الحاجة إليه من ذلك العظم أشد فلذلك خلق عظم الفك الأسفل كثير التجويف متخلخلاً لتكون خفته كبيرة إذ معظم الحاجة إليه إنما هو الحركة‏.‏

وخلق العظم الوتدي مصمتاً لشدة الحاجة فيه إلى الدعامة والوقاية والوثاقة مع عدم الحاجة إلى الحركة‏.‏

وخلق كل واحد من عظمي الساق والساعد ذا تجويف واحد لاجتماع الغرضين فيه‏.‏

لأن عظم الساق مجوفاً يحتاج إلى قوة الجرم ليكون قوياً على حمل البدن ويحتاج إلى الخفة لأجل سهولة الحركة ففائدة تجويفه أن يكون أخف وفائدة توحيد التجزيف أن يبقى جرمه قوياً فتجتمع الخفة من القوة وهذا كما في القنا والقصب‏.‏

قوله‏:‏ وجعل تجويفه في الوسط واحداً ليكون جرمه غير محتاج إلى مواقف الغذاء المتفرقة‏.‏

أما أن هذا التجويف يكون في الوسط فلأمرين‏:‏ وثانيهما‏:‏ أن التجويف لو مال إلى جهة لضعف جرم العظم من تلك الجهة فكان يتهيأ للانكسار منها وذلك لأن الجوانب إذا كانت كلها متساوية في القوة لم يمكن الانكسار من جهة منه أولى منن غيرها فيكون حصوله أعسر ولو كان كل واحد من الجوانب أضعف من الجانب الذي ضعف لو حده وكذلك فإن الصفارين ونحوهم يحزون الموضع الذي يريدون الانكسار منه حزاً يسيراً فينكسر المنحز من ذلك الموضع أسهل مما لو كان جرمه من كل جانب بتلك القوة وما ذلك إلا لتعيين موضع يكون أولى بالانكسار‏.‏

وأما أن هذا التجويف يكون واحداً فلأنه لو كان كثيراً لضعف جرم العظم لأجل تخلخله‏.‏

وأما قوله‏:‏ ليكون جرمه غير محتاج إلى مواقف الغذاء المتفرقة منه فهو مشكل‏.‏

وذلك لأن اللازم لكون التجويف غير واحد‏.‏

وهو أن يكون كثيراً متفرقاً في جرم العظم ويلزم ذلك أن يكون جرمه ضعيفاً‏.‏

وأما أن مواقف الغذاء تكون كثيرة متفرقة فإنما يلزم لو كان التجويف صغيراً حتى لا يبقى الواحد بأن يكون كافياً في التغذي فيحتاج أن يكون كثيراً فيكون ذلك تقليلاً لفائدة خلقه ذلك التجويف عظيماً لكونه واحداً وقد ذكر الشيخ للمخ ثلاث فوائد‏.‏

إحداها أن يغذ العظم وقد تكلمنا في ذلك فيما سلف‏.‏

وثانيتها‏:‏ أن يرطبه حتى لا يجف بالحركة حركة وإنما ذكر فائدة الترطيب ولم يذكر فائدة التغذية‏.‏ لأن فائدة التغذية معلومة‏.‏

بل هي فائدة مستقلة بنفسها فيكون السكوت عنها غير مستقبح ولا كذلك فائدة الترطيب‏.‏

فإنه قد يظن أنه ضار بالعظم وخصوصاً الذي يراد أن يكون جرمه قوياً لأن قوة العظم تتبع صلابته والترطيب يمنع الصلابة‏.‏

وثالثها‏:‏ أن يكون العظم كالمصمت مع كونه مجوفاً‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ إن هذا مما لا أثر له في زيادة القوة فلا يصلح أن تكون فائدة فيها‏.‏

قوله‏:‏ والتجويف يقل إذا كانت الحاجة إلى الوقاية أكثر ويكثر إذا كانت الحاجة إلى الخفة أكثر‏.‏

هذا يعتبر بحسب أمور‏:‏ أحدها‏:‏ اختلاف نوع عظام البدن الواحد‏.‏ فإن عظم الساق يحتاج إلى الخفة أكثر من عظم الفخذ لأن حاجته إلى الحركة أكثر من حاجة عظم الفخذ‏.‏

وثانيها‏:‏ اختلاف الأبدان في القوة فإن البدن الذي عضله ضعيف الخلقة يحتاج أن تكون عظامه أخف‏.‏ لتمكن القوة الضعيفة إقلالها ولا كذلك البدن القوي العضل‏.‏

وثالثها‏:‏ اختلاف الأبدان في السن فإن الشيخ تضعف قوته عن تحريك الثقل فتحتاج أن تكون عظامه أخف‏.‏ وذلك يحصل بسبب تخلخل أعضائه لقلة اغتذائها‏.‏

ورابعها‏:‏ اختلاف نوع الحيوان‏.‏

فإن الحيوان الشديد البطش كالأسد يحتاج أن تكون عظامه شديدة القوة إنما يكون كذلك إذا لم يكن تجويفها كبيراً‏.‏

قوله‏:‏ والعظام المشاشية خلقت كذلك هذه العظام هي الموضوعة حذاء ثقبي الأنف‏.‏

وهي شديدة التخلخل وخلقت كذلك لأمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ لتتمكن أجزاؤها من سهولة استعمال الغذاء مع شدة حاجتها إلى الخفة لئلا تثقل مقدم الدماغ‏.‏

وثانيهما‏:‏ ليتمكن ما يحتاج أن ينفذ فيها من النسيم وفضول الدماغ المدفوعة من جهة الأنف من سهولة النفوذ وليمكن أن ينفذ فيها من الهواء قدر صالح ليفي بترويح الدماغ وليكون ما يتصعد معه من الأجزاء الحاملة للرائحة قدر يجوز معه إدراكها وحاجة إدراك الرائحة إلى تخلخل هذه العظام أكثر من حاجة ترويح الدماغ‏.‏

لأن هذا الترويح قد يتم إذا كانت المنافذ في هذه العظام ضيقة بأن يكون نفوذ الهواء فيها قليلاً قليلاً في زمان طويل بحيث يقل زمان الفترة بين كل تنفسين ولا كذلك إدراك الرائحة فإن الحاسة إنما تدرك المحسوس إذا ورد منه في وقت واحد قدر يعتد به‏.‏

وأما إذا ورد بالتدريج فإن الوارد في كل وقت يكون قليلاً جداً فكان لا تقوى الحاسة على إدراكه فلذلك لم يتعرض الشيخ ها هنا لأمر الترويح واقتصر على ذكر الرائحة‏.‏

والله أعلم بغيبه‏.‏

  البحث الثالث المفاصل وتقسيم العظام بحسبها

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه والعظام كلها متجاورة متلاقية وليس بين شيء من العظام وبين العظم الذي يليه مسافة كبيرة بل في بعضها مسافة يسيرة تملؤها لواحق غضروفية أو شبيهة بالغضروفية خلقت للمنفعة التي للغضاريف‏.‏ إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح السبب في احتياج البدن إلى المفاصل أنه لو خلق البدن خالياً عن العظام البتة لكان شديد الضعف واهي القوة كالدود فلا بد وأن يكون مشتملاً على عظم ولا بد وأن يكون البدن كله من عظم واحد وإلا كان ما فيه ذلك العظم لا يمكن انثناؤه وانعطافه وما هو بغير عظم ضعيف البنية واهي الحركة فلا بد و أن يكون مشتملاً على عظام كثيرة‏.‏

فإما أن تكون متباعدة غير متصلة بعضها ببعض فيكون التركيب واهياً جداً وأضعف كثيراً من أبدان الدود أو يكون بعضها متصلاً ببعض فيلزم ذلك حوث المفاصل وكل مفصل فإما أن يكون لأحد عظميه أن يتحرك وحده حركة سهلة ظاهرة وهو المفصل السلس كمفصل المرفق والركبة والرسغ والساعد أو لا يكون كذلك فإما أن تمتنع حركة أحد عظميه وحده ولو حركة خفية‏.‏

وهو المفصل الموثق أو لا يكون كذلك وهو المفصل العسر الذي ليس بموثق كمفصل الرسغ مع المشط وكمفاصل عظام المشط‏.‏ هكذا قال الشيخ‏.‏

وأما جالينوس فقد قسم المفاصل إلى قسمين فقط‏:‏ أحدهما‏:‏ السلس وهو الذي لأحد عظميه أن يتحرك وحده حركة ظاهرة سهلة كما قال الشيخ‏.‏

وثانيهما‏:‏ الموثق‏.‏ وهو الذي تكون حركة أحد عظميه يسيرة غير ظاهرة وهو الذي سماه الشيخ‏:‏ العسر الذي ليس بموثق فيكون المفصل الموثق باصطلاح الشيخ خارجاً عن القسمين‏.‏

ولو كان قال‏:‏ إن الموثق ما ليس لأحد عظميه أن يتحرك وحده حركة ظاهرة لدخل الموثق فيه باصطلاح الشيخ‏.‏ وكان هذا أولى‏.‏

وقد قسم الشيخ المفصل الموثق إلى ثلاثة أقسام‏:‏ وذلك لأن كل مفصل موثق‏:‏ فإما أن لا تكون فيه مداخلة من عظم في عظم وهو الملزق‏.‏ أو تكون فيه مداخلة‏:‏ أو من أحدهما فقط‏.‏

وهو‏:‏ المركوز‏.‏

والملزق‏:‏ إما أن يكون في العرض‏.‏ وهو كمفصل عظمي الفك الأسفل عند الذقن‏.‏ أو في الطول‏.‏ وهو عنده كما في عظمي الساعد‏.‏ وعندنا لا يصح‏.‏ فإن عظمي الساعد بينهما خلل ظاهر‏.‏

وأما المفصلان الآخران فلا يمكن أن يكون تأليفهما تأليف إلزاق ولا تأليف شأن وإلا لم يمكن حركة أحد العظمين وحده‏.‏

فيكون المفصل موثقاً فلا بد إذن وأن يكون تأليفهما تأليف الركز ولكن لا يكون ذلك الركز بحيث يمنع حركة أحد العظمين دون الآخر فلذلك لا بد وأن يكون اشتمال الحفرة في هذين المفصلين على الزائدة غير شديد‏.‏

والزائدة في هذين المفصلين‏:‏ إما أن تكون واحدة أو أكثر‏.‏ فإذا كانت كثيرة فلا بد وأن تكون الحفرة كبيرة أيضاً بعدد الزيادات‏.‏ ويسمى هذا المفصل‏:‏ المداخل‏.‏ سواءً كانت الزيادات كلها في عظم واحد والحفر كلها في آخر كمفاصل الأضلاع‏.‏

أو كان كل في واحد من العظمين زائدة وحفرة كما في مفصل المرفق‏.‏ وإذا كانت الزائدة واحدة فالحفرة أيضاً لا بد أن تكون واحدة‏.‏

ولا بد أيضاً وأن يكون عمقها على قدر ما تقتضيه الزائدة وهذه الزائدة إما أن تكون للطرف الذي تنتهي إليه محدداً فيسمى‏:‏ منقاراً‏.‏ أو لا يكون محدداً بل غليظاً مستديراً فيسمى ذلك الطرف رأساً‏.‏ والزائدة التي تنتهي إليه‏:‏ عنقاً‏.‏ وهذا العنق إما أن يكون طويلاً أو قصيراً‏.‏

فإن كان طويلاً فالحفرة التي يدخل فيها لا بد وأن تكون عميقة وتسمى تلك الحفرة‏:‏ حقاً كحق الفخذ‏.‏ ويسمى ذلك المفصل‏:‏ المفصل المغرق‏.‏ لأن الزائدة تكون مغرقة في حفرته‏.‏

وإن كان العنق قصيراً فالحفرة لا بد وأن تكون أيضاً غير عميقة وتسمى هذه الحفرة‏.‏

عيناً كعين الكتف‏.‏

ويسمى هذا المفصل‏:‏ المفصل المطرف‏:‏ لأن الزائدة لما لم تكن كثيرة المداخلة صارت كأنها في طرف‏.‏

قوله‏:‏ والعظام كلها متجاورة متلاقية‏.‏ لو كانت عظام البدن متباعدة لكان تركيبه واهياً جداً كما بيناه أو لاً‏.‏ وقال جالينوس‏:‏ إن تركيب عظام البدن كله يقال له‏:‏ جثة‏.‏

ويريد بقوله‏:‏ تركيب العظام العظام المركبة إذ نفس تركيبها لا يقال له جثة إذ التركيب هو فعل المركب كما قلناه أو لاً‏.‏

ونقول‏:‏ العظام‏:‏ منها ما هي صغار فلا تتصل بها لاحقة‏.‏ ومنها ما هي كبار‏.‏ وهذه منها ما ليس له لاحقة كعظمى الفك الأسفل فإن أسفلهما يلتقي بلجام بينهما من غير لاحقة وأعلاهما أيضاً ليس فيه لاحقة‏.‏ وإن كان لكل واحد منهما هناك زائدتان‏.‏

والفرق بين الزائدة واللاحقة أن الزائدة تكون من نفس العظم الذي هي له زائدة‏.‏

واللاحقة عظم آخر يتصل به بلجام‏.‏

ومن العظام الكبار ما له لاحقة وذلك إما في طرفيه كما في عظم الساق وعظم الفخذ وعظم الزند الأعلى‏.‏

وإما في طرف واحد فإما في الطرف الأعلى كما في عظم العضد أو في الطرف الأسفل كما في الزند الأسفل‏.‏ وسنتكلم في هيئة هذه اللواحق ومنافعها في المواضع اللائقة بذلك‏.‏

قوله‏:‏ بل في بعضها مسافة يسيرة تملؤها لواحق غضروفية أو شبيهة بالريان غضروفية ليس يريد بهذه اللواحق اللواحق التي ذكرناها بل ما يكون عند أطراف العظام ليمنع حك أحد العظمين للآخر وهذه تارة تكون غضاريف كما في عظام اليدين والرجلين الكبار‏.‏

وتارة تكون غير غضاريف كالعظام السمسمانية التي من االسلاميات فإنها خلقت هناك للمنفعة التي للغضاريف وهي تمنع الاحتكاك وقد علمت أنا متوقفون في ثبوت هذه العظام‏.‏

والله ولي التوفيق‏.‏

  الفصل الثاني تشريح عظام القحف

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الشرح عظام القحف تطلق تارةً وبراد بها عظام الرأس كلها واختلف لأطباء فيها‏.‏ فمنهم من يعد من جملتها العظم الوتدي وهو الرأي المشهور‏.‏ ومنهم من يخرج عنها هذا العظم ويعده من عظام اللحى الأعلى‏.‏

وأيضاً‏:‏ منهم من يعد من جملة عظام القحف عظمي اليافوخ‏.‏ ومنهم من يخرجها عنها والنزاع في ذلك مما ليس له فائدة يعتد بها‏.‏ وتارةً يطلق عظام القحف‏.‏ وبراد بها عظام اليافوخ فقط وهو الذي أراده الشيخ ها هنا‏.‏ لأنه في هذا الفصل يقتصر على تشريح عظمي اليافوخ‏.‏

وفي الفصل الذي بعد هذا وهو الذي جعله في تشريح ما دون القحف‏.‏ إنما ذكر فيه تشريح ما سوى عظمي اليافوخ من عظام الرأس‏.‏ لكنه في هذا الفصل عند ذكره منافع تكثير العظام إنما أراد بعظام القحف جملة عظام الرأس لأن المنافع التي ذكرها لا تصلح أن تكون منافع بتكثير عظمي اليافوخ فقط كما ستعرفه في شرحنا لكلامه هناك‏.‏ ولا شك أن ذلك مستقبح في التصنيف‏.‏ والكلام في هذا الفصل يشتمل على أربعة مباحث‏:‏

  البحث الأول بيان منافع عظام القحف أعني عظام الرأس كلها

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما منفعة جملة عظام القحف فهي أنها جنة للدماغ ساترة له وواقية من الآفات‏.‏

وأما المنفعة في خلقها قبائل كثيرة وعظاماً فوق واحدة‏.‏

إلى قوله‏:‏ والشكل الطبيعي لهذا العظم‏.‏

الشرح قد ذكر الشيخ ها هنا لتكثير هذه العظام ستة منافع‏:‏ المنفعة الأولى‏:‏ أن الآفة العارضة لا تعم‏.‏

وبيان هذا أن العظم الواحد لا مانع فيه من سريان ما يعرض له من الآفات كالشق والعفونة ونحو ذلك من الفساد‏.‏ ولا كذلك العظام الكثيرة‏.‏

لأن الصدع مثلاً‏:‏ إذا انتهى في عظم إلى موضع الوصل بينه وبين غيره لم يتمكن من السريان في العظم الذي يليه ويكون المفصل الواقع بينهما مانعاً من زلك السريان‏.‏

ولا شك أن ذلك منفعة‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ كما أن هذه المفاصل نافعة بهذا الوجه كذلك هي أيضاً ضارة بوجه آخر‏.‏

وذلك لأن الرأس إذا كان من عظام كثيرة وعرض لو احد منها صدع انتهى إلى طرفيه فإنه حينئذ ينفتح لبطلان الاتصال ولا كذلك إذا كان عظماً واحداً فإنه حينئذٍ إذا عرض صدع بذلك القدر أو أكثر منه قليلاً بقي العظم متصلاً بما سوى موضع الصدع فلا تنفتح‏.‏

وجوابه‏:‏ أن هذا التضرر منتف في عظام الرأس لأن مفاصلها مدروزة فإذا انصدع منها عظم بقي كل جزء منه محفوظاً في موضعه لتشبثه بالعظام المجاورة له‏.‏

والمنفعة الثانية‏:‏ أن بعض عظام الرأس يجب أن يكون شديد التخلخل كعظمي اليافوخ وبعضها أن يكون شديد الصلابة كالعظم الوتدي‏.‏ وبعضها يجب أن يكون جرمه متوسطاً بين هذين كعظام الجدران‏.‏

والجدار المقدم يجب أن يكون ألين والمؤخر أصلب واللذين يمنة ويسرة بينهما في الصلابة‏.‏

وسنذكر منافع ذلك كله وإذا كان كذلك لم يحسن ولا يجوز أن يكون الجميع عظماً واحداً وذلك لأمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنه لو كان عظماً واحداً لكان الجزء اللين منه مهيئاً لقبول الآفات وذلك لأن اللين وثانيهما‏:‏ أنه لو كان اتحاد العظم حينئذٍ محموداً لم يخلق لعظام الزندين والساقين ونحوهما لواحق‏.‏

بل كان يخلق كل واحد من تلك العظام قطعة واحدة لأن هذه العظام تحتاج أن تكون قوية فلو جاز أن يكون عظماً واحداً لما كثرت أجزاؤها لأن ذلك مما يضعف له جرمها وحيث لم يخلق قطعة واحدة علم أن ذلك مع اختلاف الأجزاء في الصلابة واللين مما لا يجوز‏.‏

وإذا كان كذلك وجب تكثير عظام الرأس بعدد ما يجب أن يكون فيها من الاختلاف المذكور‏.‏

ولقائل أن يقول‏:‏ إن كلا هذين الأمرين مما لا يصح‏.‏

أما الأول‏:‏ فلا بد وأن يكون من هذا العظم متخلخلاً فلا بد وأن يكون إما بحذاء الحس كعظم الجبهة أو مستوراً باللباس عادة كعظمي اليافوخ وذلك مما يقلل قبوله للآفات فلا يكون ما يعرض له منها أكثر من العارضة للذي يجب أن يكون من هذا العظم صلباً‏.‏

وليس لكم أن تقولوا‏:‏ إن الصلب تعرض له الآفة حينئذٍ تارة بنفسه وتارةً لسريان ما يعرض للتخلخل وذلك موجب لتكثير آفاته لأنا نقول‏:‏ إن هذا إذا سلم كان هو بعينه المنفعة الأولى‏.‏

وأما الثاني‏:‏ فمن وجوه‏:‏ أحدها‏:‏ أن الفاضل أرسطوطاليس حكى أن رجلاً لم يكن لرأسه شؤون بل كان من عظم واحد‏.‏ فلو كان في ذلك مفسدة لما وجد‏.‏

وثانيها‏:‏ أن كل واحد من عظمي اليافوخ والجدارين اللذين يمنة ويسرة‏.‏ فإن أجزاءه يجب أن تكون مختلفة في الصلابة واللين‏.‏

وأما عظما اليافوخ فإن مقدمهما شديد اللين فلذلك ينغمز في سن الطفولة بأدنى مس وأما الجدران فلأن كل واحد منهما يجب أن يكون ما عند ثقب الأذن الذي فيه شديد الصلابة بالنسبة إلى باقي أجزائه‏.‏

ولو كان وجوب هذا الاختلاف يوجب تكثير العظام لكان كل واحد من هذه العظام متكثراً‏.‏

والواقع بخلاف ذلك‏.‏

وثالثها‏:‏ أن تكثر العظام وإن نفع بالوجه الذي قلتم فهو يضر من جهة أنه يضعف جرم الرأس فلم قلتم إن هذا النفع راجح على هذه المضرة حتى تراعى في الخلقة دون هذا الضرر‏.‏

ورابعها‏:‏ أن عظام الساقين والفخذين ونحوهما إنما كثرت أجزاؤها ليكون هذا العظم الذي هو المخ مسلك ينفذ فيه وهو موضع الالتحام فلا يدل تكثرها على أن اختلاف الأجزاء يوجب تكثير العظام‏.‏

الجواب‏:‏ أما ما قيل على الأمر الأول فإنا وإن سلمنا أن الأجزاء التي يجب تخلخلها من عظم الرأس يقل قبولها للآفات الخارجية بما قلتم لكنها لا محالة شديدة القبول لمثل العفونة ونحوها‏.‏

فلو كان الجميع عظماً واحداً لكان الصلب منه مستعداً لذلك أيضاً بسبب السريان وأما ما فالجواب‏:‏ على الأول أنا لا نمانع إمكان اتحاد هذا العظم لكنا نمنع أن تكون البنية حينئذٍ فاصلة‏.‏

ولعل هذا الذي كان رأسه من عظم واحد قد كان فاسد الذهن رديء الأخلاق لأجل احتباس الأبخرة الكثيرة في دماغه‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن الاختلاف الواجب في هذه العظام ليس بكثير بحيث يوجب لتكثير القطع ولا كذلك جملة عظام الرأس‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن المؤلف من عظام كثيرة إنما يلزم أن يكون ضعفه كبيراً إذا كانت مفاصله غير موثقة كإيثاق شؤون الناس وأما إذا كانت بهذا الإيثاق فإن ما يحدثه ذلك من الضعف لا يكون له قدر يعتد به‏.‏

وعن الرابع‏:‏ أن تكثير أجزاء عظام الساق والساعد ونحوها‏.‏ لو كان لنفوذ الغذاء لكان العظم الأكبر المحتاج إلى غذاء أكثر أجزاؤه أكثر‏.‏ ولو كان كذلك لما كان الزند الأعلى ذا لاحقتين والزند الأسفل أعظم منه بكثير وهو ذو لاحقة واحدة‏.‏

والمنفعة الثالثة من منافع تكثير عظام الرأس أن يكون لما غلظ من الأبخرة التي لا يمكن نفوذها في مسام العظام طريق إلى التحلل من الخلل الواقع بين القطاع وذلك مما لا يتأتى لو كان عظماً واحداً وذلك لأن الدماغ تكثر فيه الأبخرة وأبخرته غليظة وأما كثرتها فلأنه موضوع في أعلى وأما غلظها فلأجل برودة الدماغ ورطوبته‏.‏

وهذه الأبخرة لو بقيت في داخل الرأس لأفسدت الذهن وآلمت وصدعت وإخراجها إنما يكون من منافذ متسعة فلو كان الرأس من عظم واحد لاحتاج أن يكون فيه ثقوب كثيرة جداً وذلك موهن له معد له للانكسار‏.‏

والمنفعة الرابعة‏:‏ أن يكون لما يخرج من الدماغ من العصب الذي يحتاج إلى تفريقه في أعضاء الرأس طريق إلى النفوذ وذلك في فرج المفاصل ولو كان العظم واحداً لكانت الثقوب تضعفه‏.‏

والمنفعة الخامسة‏:‏ أن يكون لما يجب أن يدخل إلى داخل الرأس من الأوردة والشرايين طريق ومسلك في خلل المفاصل‏.‏

والمنفعة السادسة‏:‏ أن يكون لما يبرز من أجزاء الأم الغليظة إلى خارج القحف طريق ليثبت في ظاهره فتستقل تلك الأم عن الدماغ فلا يثقله طريق في مسلك‏.‏

والمنفعة الأولى والثانية ظاهر أنهما لأجل العظام نفسها‏.‏

وأما الثالثة‏:‏ فهي للدماغ وتتم بالمفاصل‏.‏

وأما الرابعة‏:‏ فلأجل الحس الذي في ظاهر الرأس وتتم أيضاً بالمفاصل‏.‏

وأما الخامسة ثم السادسة‏:‏ فمشتركة بين الدماغ وبين ما يدخل ويخرج ويتم أيضاً بالمفاصل‏.‏

والنسخة الأولى هي الصحيحة‏.‏ لأن القطاع هي العظام‏.‏ وما يدخل من الأوردة والشاربين وما يخرج من الأعصاب لا نفع له في العظام البتة‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏

  البحث الثاني الشكل الطبيعي للرأس

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الشكل الطبيعي لهذا العظم هو الاستدارة لأمرين ومنفعتين‏.‏

إلى قوله‏:‏ ولمثل هذا الشكل دروز ثلاثة حقيقية‏.‏

الشرح إن للرأس في الطول شكلاً طبيعياً وأشكالاً غير طبيعية أما شكله الطبيعي فهو أن يكون مستديراً إلى طول كالكرة المغمورة من الجانبين فيكون له نتوءان‏.‏

أحدهما‏:‏ إلى قدام وه و أعظم‏.‏

والآخر إلى خلف هو أصغر‏.‏

أما استدارته‏:‏ فقد ذكر الشيخ لها منفعتين‏:‏ إحداهما‏:‏ لتكون مساحته أعظم فيكون ما يسعه من الدماغ وغيره أكثر وذلك لأن كل جسمين تساوى محيطهما فإن الكرى منهما أعظم مساحة من غيره‏.‏

ولا يليق بهذا الكتاب إقامة البرهان على أمثال هذا‏.‏ والذي يقربه إلى الذهن‏.‏

أن الجسم المخروط الشكل الكرى أقل مساحة من المكعب والمكعب أقل مساحة من الذي تحيط به قواعد مخمسة وذلك أقل مساحة من الذي قواعده مسدسة‏.‏

وكذلك كل ما قرب شكله من الشكل الكرى كانت مساحته أعظم لا محالة‏.‏ فالكرى لا محالة أكبر من جميع الأجسام أعني بذلك إذا تساوت الإحاطة‏.‏

ويمكنك امتحان هذا بالسطوح فإن المثلث أصغر من المربع وهو أصغر من المخمس وكذلك كلما قرب من الدائرة كان أعظم مما هو أبعد عنها‏.‏ فتكون الدائرة أو سع المسطحات‏.‏

وهذه الفائدة تعود إلى ما يحويه العظم لا إلى العظم نفسه‏.‏

وثانيتهما‏:‏ لتكون أبعد عن قبول الآفات الخارجية مما له زاوية‏.‏ إذ الزاوية ليس لها من ورائها ما يقويها على مقاومة المصادم‏.‏ ولذلك ما كان من الأجسام ذا زوايا فإن ما يعرض له من التكسر يكون أو لاً في زواياه‏.‏ والجسم الكرى جوانبه كلها متساوية فليس عروض الفساد له من جهة أولى من عروضه من جهة أخرى وهذه المنفعة تعود إلى نفس العظم‏.‏

وذكر لطول هذا العظم منفعة واحدة وهي أن الأعصاب الدماغية موضوعة في الطول‏.‏

أعني مرتبة كل زوج بعد آخر إلى خلف‏.‏ وهذه الأعصاب سبعة أزواج‏.‏ فإذا عددنا ما يقع منها في الطول وجدنا سبعة‏.‏ وإذا عددنا ما أقول‏:‏ وها هنا سبب آخر لأجله صار شكل الرأس هكذا‏.‏ وذلك لأن معظم الغرض بعظام الرأس إنما هي وقاية للدماغ‏.‏ وذلك بأن يكون له كالجنة‏.‏

وإنما يتم ذلك بأن يكون محيطاً به من كل جهة وشكل الدماغ مستدير إلى طول فيجب أن يكون شكل ما يحيط به كذلك وإلا كان فيه زيادة غير محتاج إليها في الوقاية أو نقصان تؤدي إلى انضغاط الدماغ وإنما كان شكل الدماغ مستديراً إلى طول‏.‏

أما استدارته فكما قلنا في العظام وأما طوله فلأنه محتاج أن يكون فيه ثلاثة بطون‏.‏ وأن تكون هذه البطون موضوعة في طوله وذلك يحوج إلى زيادة في طوله‏.‏

وإذا كان هذا العظم مستديراً إلى طول فصوله ما بين مقدمه ومؤخره وجب أن يكون له نتوءان أحدهما إلى قدام والآخر إلى خلف وخلق نتوءه المقدم أعظم لأن ما يحيط به من الدماغ أكبر وإنما كان كذلك لأن مقدم الدماغ للحس ومؤخره يحفظ المعاني والمحسوس إنما ينتفش في شيء له مساحة‏.‏ ولا كذلك المعاني‏.‏

وأما الأشكال الخارجة عن الأمر الطبيعي فسنذكرها بعد‏.‏

قوله‏:‏ وله نتوءان إلى قدام وإلى خلف ليقيا الأعصاب المنحدرة من الجانبين وفائدة هذين النتوءين أنهما ساتران ولا شك أن الساتر إذا كان محدباً كانت وقايته أتم لأن ملاقاة ما يصادمه يكون بجزء أقل فيكون انفعاله عنه أضعف‏.‏ والله أعلم‏.‏

  البحث الثالث عدد دروز الرأس الطبيعي الذي شكله طبيعي وهيأتها

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ولمثل هذا الشكل دروز‏.‏ ثلاثة حقيقية ودرزان كاذبان‏.‏

إلى قوله‏:‏ وأما أشكال الرأس غير الطبيعية فهي ثلاثة‏.‏

الشرح قد بينا أن الشيخ في هذا الفصل إنما يتكلم في تشريح عظمي اليافوخ‏.‏

فلذلك إنما نذكرها ها هنا‏.‏ دروز الرأس خمسة دروز‏:‏ ثلاثة منها حقيقية أعني بذلك أنها دروز حقيقية وذلك أن الدروز إنما تحدث من مداخلة كل واحد من العظمين في الآخر في مواضع كثيرة حتى تكون كمنشارين أدخلت زوائد كل واحد منهما في حفر الآخر وكأنها أصابع قصار أدخلت كل إصبع بين إصبعين مما يقابلها‏.‏ وهذه الدروز كذلك‏.‏ وسميت دروزاً تشبيهاً لها بدرز الخياطة‏.‏

لكنها تخالف تركيب المنشارين والأصابع بأن المنشارين زوائدهما تأخذ من عرض كبير إلى دقة والأصابع عرضها كلها متساوية وزوائد هذه الدروز ليست كذلك بل أطرافها أكثر عرضاً من قواعدها‏.‏

وذلك ليكون التركيب أقوى وأحكم ولتكون مسافة الخلل أطول فتكون منافس البخار الذي يحتاج أن يتحلل منه أكثر‏.‏

واثنان من هذه الدروز الخمسة ليسا في الحقيقة بدروز بل هما لزاق ولهذا يسميها بعضهم لزاقاً‏.‏ ولا يطلق عليها اسم الدروز‏.‏

والذين يسمونها دروزاً فيسمونها دروزاً كاذبة وغير حقيقية وقشرية وهيأتهما أن كل واحد من العظمين يبتدئ عند قرب طرفه في الترقق ويتم ترققه عند انتهاء طرفه ثم يركب انتهاء ترقق هذا على ابتداء ترقق ذاك حتى تكون ثخانة العظمين عظم واحد وفائدة خلقتهما كذلك أن يسهل تنحي أحد العظمين عن الآخر من غير انكشاف يعرض للدماغ مع أن كل واحد من العظمين شديد الثبات على الآخر وفائدة ذلك أن يجد البخار والرياح الكثيرة التي قد تجتمع في داخل القحف طريقاً متسعاً للانفصال ولا يلزمها فساد الدماغ وشدة الألم‏.‏

وأطن أن هذين الدرزين من خواص الإنسان وذلك لأن رأسه في سمت صعود البخار والدخان من البدن كله ويحتاج أن يكون رأسه أكثر نقاء من جميع الحيوان ليكون فكره جيداً فيحتاج أن يكون منافس تحلل ذلك منه أكثر وأوسع‏.‏

وأما أشكال هذه الدروز الخمسة‏:‏ فالأول من الحقيقية يحيط أعلاه بأعلى الجهة مشترك بين عظمها وعظمي اليافوخ‏.‏

وهو قوسي هكذا ويسمى الإكليلي لأنه عند منتهى الإكليل الذي يوضع على الرأس‏.‏

وسنذكر في الفصل الآخر غاية امتداد طرفيه ومنه تتحلل البخارات التي في البطن المقدم‏.‏

ولذلك وضع حيث يسهل تحلل الأبخرة لأنه يمر على محيط ذلك البطن‏.‏

وإنما كان شكله كذلك لأن هذا النتوء كبير فيكون مع باقي الرأس كالكرة وأكثر تحدباً وانفراجاً‏.‏

وإذا قطعت الكرة بسطح مستو كان الانفصال على هيئة دائرة فيكون هذا الدرز على هيئة محيط قطعة دائرة والدرز الثاني يمر مستقيماً تحت العرق ومنه تتحلل أكثر أبخرة الرأس خاصة ما يكون في وسطه‏.‏

وخلق مستقيماً ليعم جميع الجزء الأعلى من الرأس فيكون تحلل تلك الأبخرة أسهل وأكثر مع كون التركيب أحكم وأقوى‏.‏

أما أن التحلل يكون أكثر فلأن هذا الدرز لو انحرف على الجزء الأعلى من الرأس إلى جانبه لبقي ذلك القدر من الجزء الأعلى مانعاً من التحلل‏.‏

وأما أن التركيب أقوى فلأن الخط المستقيم أقصر الخطوط فيكون الانفصال أقل ولا كذلك لو كان منحرفاً لأنه حينئذٍ يطول وكذلك لو خلق مستقيماً ولو لم يكن تحت الفرق لكان ما يتحلل منه من الأبخرة أقل لأنه حينئذٍ لا يكون في أعلى الرأس حيث ينتهي إليه البخار‏.‏

وإذا كان هذا الدرز يقطع الرأس من أعلاه فلا بد وأن يمر طرفه المقدم بغاية ارتفاع الدرز الإكليلي ضرورة أن كل سطح مستو أو خط مستقيم قطع كرة بنصفين فلا بد وأن يقطع كل دائرة يقاطعها على زوايا قائمة بنصفين نصفين ويكون محيط الدائرة الحادثة بالقطع مقاطعاً لمحيطات تلك الدوائر على أنصافها‏.‏

وأما الدرز الثالث من الحقيقية فأعلاه مشترك بين عظمي اليافوخ وبين الجدار الرابع‏.‏

ولما كان النتوء المؤخر صغيراً لم يكن على هيئة تحدب الكرة بل أقل انفراجاً وأقل انفراجه في أعلاه لأن أسفله يحتاج إلى سعة لأجل نفوذ النخاع منه‏.‏

فلذلك يكون شكله كشكل قطعة من مخروط قطع بسطح مستو من أعلاه إلى قاعدته‏.‏

فلذلك يكون هذا القطع على هيئة مثلث فيكون هذا الدرز على هيئة ضلعي مثلث متساوي الضلعين ضرورة أن أعلى أسفله الرأس لا ميل له إلى أحد الجانبين‏.‏

وأن هذا القطع يبتدئ من أعلى الرأس إلى أسفله فلا بد وأن يكون التقاء هذين الضلعين على نقطة هي الطرف المؤخر من الدرز المستقيم ولكون ضلعي هذا الدرز مستقيمين فائدة وأمان‏:‏ أما الفائدة‏:‏ فليكون الخلل اقل فيكون التركيب أقوى‏.‏

وأما الأمان‏:‏ فلأن البطن المؤخر يقل احتباس الأبخرة فيه لأنه آخذ إلى الأسفل‏.‏ ومن شأن البخار التصعد فيرتفع إلى جهة مقدم الرأس لأنه أرفع‏.‏ ويسمى هذا الدرز اللامي لأنه يشبه اللام في كتابه اليونان‏.‏

وأما الدرزان الكاذبان فهما موضوعان في جانبي الرأس يمنة ويسرة كل واحد منهما مشترك بين عظمي القحف الذي في جهته وبين الجدار الذي في ذلك الجانب‏.‏

وإنما خلقا هناك لأن فائدتهما كما قلنا أن ينفتحا عند كثرة الرياح والأبخرة لينقى الدماغ منهما مع بقاء الاستتار‏.‏

والموجب لهذا الانفتاح في أكثر الأمر إنما هوا لريح الممددة إلى الجوانب وأكثر تمديدها إنما هو من جهتي اليمين والشمال لأن الرأس ما بين القدام والخلف متسع فلا يضيق على الريح كما يضيق ما بين الجانبين‏.‏

وتعين هذه الريح على الفتح حركة الأبخرة إلى فوق مشيلة لعظمي القحف فيسهل الانفتاح ولا كذلك لو جعلا في غير هذين الموضعين‏.‏

قوله‏:‏ مستقيم يقال له وحده سهمي فإذا اعتبر من جهة اتصاله النقصان إما أن يكون في المقدار وكذلك كما إذا كان أحد النتوءين أو كلاهما أصغر من المقدار المعتدل أو في العدد وكذلك كما إذا نقص للرأس أحد النتوءين أو كلاهما‏.‏

وأما الخروج عن الطبيعي بالزيادة والنقصان معاً فكما إذا نقص أحد النتوءين وعظم الآخر‏.‏

أو نقص النتوءان كلاهما وازداد النتوء في جانب الرأس‏.‏

وأما الخروج عن الأمر الطبيعي برداءة وضع الأجزاء فكما إذا كان أحد النتوءين أو كلاهما مائلاً إلى جهة اليمين أو اليسار‏.‏

أو أحدهما إلى اليمين والآخر إلى اليسار وليس في هذه الأشكال ما يقع كثيراً سوى أن يكون بنقصان أحد النتوءين أو كليهما‏.‏ وهي أشكال الرأس المسفط‏.‏

فقوله‏:‏ ولا يمكن أن يكون للرأس شكل رابع غير طبيعي يريد بذلك أن هذا لا يمكن من جهة النقصان أي لا يمكن أن تكون رداءة شكل الرأس الحادثة بسبب النقصان أكثر من هذه الثلاثة ولذلك علل بأن ذلك يلزمه نقصان في بطون الدماغ أو جرمه ودروز الرأس منها ما لا يتغير بتغير شكله‏.‏

وهي ثلاثة‏:‏ المستقيم والقشريان‏.‏

ومنهما ما يتغير بحسب ذلك وهي درزان‏:‏ الإكليلي واللامي‏.‏

وسبب ذلك أن الرأس لو كان كرة حقيقية لم يكن جانب منه أولى من غيره بزيادة أو نقصان في الدروز بل كان إما أن لا يكون في اليافوخ درز البتة أو إن كان فيه درز فليكن من جهة الطول والعرض على السواء وذلك بأن يكون في العرض درز كما في الطول درز ويكون درز العرض في وسط العرض‏.‏

كما أن درز الطول كذلك في وسط الطول لكن عدم الدروز بقطعة مخروط غير مواز لسهم ذلك المخروط المتوهم بل مقاطعاً لسهمه إلى قدام من أسفل فلذلك يمر طرفا الجدار الرابع إلى قدام حتى يلاقيا عظم الفك الأعلى عند غاية انقطاع العظمين الحجريين وإذا كان كذلك كان كل واحد من هذين القشريين أقصر كثيراً من الدرز السهمي ونفوذ هذين القشريين هو فوق الأذنين‏.‏

قوله‏:‏ وليسا بغائصين في العظم تمام الغوص وربما توهم من هذا أن لهما غوصاً ما في العظم وليس كذلك وإنما لم يكن لهما غوص ما لئلا يمنع انفتاحهما‏.‏ وذلك مبطل لفائدتهما التي ذكرناها‏.‏ وليس يوجد في البدن مفصل آخر مثلهما‏.‏ والله أعلم‏.‏

  البحث الرابع أشكال الرأس الغير طبيعية التي ليست بطبيعية وما تستحقه من الدروز

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما أشكال الرأس غير الطبيعية فهي ثلاثة‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح‏:‏ الخروج عن الأمر الطبيعي في شكل الرأس وغيره قد يكون بالزيادة وقد يكون بالنقصان وقد يكون بهما معاً وقد يكون برداءة وضع الأجزاء‏.‏

أما الخروج عن الأمر الطبيعي بالزيادة فتلك الزيادة إما أن يكون أصلها طبيعياً وذلك كما إذا كان أحد النتوءين أو كلاهما أزيد من المقدار المعتدل أو لا يكون أصلها طبيعياً وذلك كما إذا ازداد الرأس في جانبه نتوء‏.‏

وأما الخروج عن الطبيعي بالنقصان فذلك بالإكليلي كان أشبه بالسهم لأن كونه مستقيماً وسط قوس من خواص السهم ولا كذلك إذا اعتبر وحده فإنه وإن أشبه السهم في استقامته إلا أن ذلك الشبه ليس خاصاً بالسهم وإنما الخاص به إذا اعتبر متصلاً بالإكليلي‏.‏

قوله‏:‏ والدرز الثالث هو المشترك بين الرأس وقاعدته‏.‏ المراد من هذا الدرز إنما هو أسافله وأواخره كما نبينه بعد‏.‏

ومعنى كلام الشيخ هو مشترك بين الرأس وبين قاعدته من خلف أي إن وأما أعلى هذا الدرز فمشترك بين عظمي القحف والجدار الرابع وهو المثلث ووسطه مشترك بين ذلك الجدار وبين الجدارين اللذين يمنة ويسرة ويسميان الحجرين‏.‏

قوله‏:‏ وأما الدرزان الكاذبان فهما آخذان في طول الرأس على موازاة السهمي الخطان المتوازيان هما اللذان في سطح واحد وإذا أخرجا في كلتا الجهتين بغير نهاية لم يلتقيا‏.‏

وكل واحد من هذين القشريين فهو مواز للسهمي فيكونان متوازيين ويفصلان من قدام قوسين متساويين من الإكليلي عن جنبي طرف السهمي من قدام وأما من خلف فيفصلان خطين مستقيمين عن جنبي طرف السهمي من خلف هما الجزء الأعلى من ضلعي اللامي وسطح هذين الخطين غير مواز لسطح الدرز الإكليلي بل هما يتقاربان في تشكلهما وكذلك الأضلاع المتقابلة من أضلاع كل واحد من عظمي اليافوخ غير متساوية وذلك لأن السطح الذي توهمناه قاطعاً للجدار الرابع حين شبهناه في اليافوخ مضر بالرأس لأجل ما يلزمه من احتباس الأبخرة كما قلناه‏.‏ فلا يمكن أن يكون استواؤهما بعدم الدروز‏.‏

ولا يمكن أيضاً أن يكون في كل واحد من الطول والعرض أكثر من درز واحد وإلا كان ذلك سبباً لضعف التركيب فينبغي أن يكون في كل جههة درز واحد هذا إذا كان الرأس كرة حقيقية‏.‏

وأما إذا كان طوله أزيد من عرضه فلا شك أن القطر الزائد يستحق زيادة في الدروز فخلق لذلك للطول درزان وللعرض درز واحد كما لو لم يزد الطول لأن العرض لم يحصل فيه ما يغير ما يستحقه من الدروز فلم يمكن أن يخلق الدرزان اللذان للطول في موضع واحد فلا بد وأن يتباعدا تباعداً لا يلزمه ضعف التركيب وذلك بأن كون أحدهما في المقدم والآخر في المؤخر فإن هذين الدرزين وهما الإكليلي واللامي إنما خلقا لأجل زيادة الطول فإذا انتفت هذه الزيادة وجب أن يفقدا أو أحدهما ولا كذلك الدروز الأخر‏.‏

أما المستقيم فلأنه ضروري في تحلل الأبخرة والرياح المتصعدة‏.‏

وأما القشريان فليمكن انتفاخهما عند الإفراط في كثرة الرياح والأبخرة فكأن الحاجة إلى هذه الدروز ليست لزيادة بطن أو نقصانه بخلاف الإكليلي واللامي‏.‏

وإذا فقد الدرز الإكليلي كان اليافوخ منتهياً إلى عظم الفك الأعلى وإذا فقد الدرز اللامي كان اليافوخ منتهياً إلى حيث ينتهي الآن بالجدار الرابع‏.‏

وإذا فقدا معاً كان كل واحد من العظمين اللذين يكون أحدهما حينئذٍ إلى قدام والآخر إلى خلف كل واحد منهما منتهياً إلى حيث ينتهي الآن الجدار الذي هو في تلك الجهة وتكون عظام اليافوخ عندئذٍ أربعة‏:‏ واعلم أن المداخلات التي في الشؤون تختلف في الناس فمن الناس من تكون فيه قليلة جداً حتى تكون شؤونه شبيهة باللزاق‏.‏

ومن الناس من تكون فيه كثيرة جداً حتى يكون الانفصال ماراً على مواضع كثيرة‏.‏

وينبغي أن تكون كثرتها سبباً لصفاء الذهن والحواس ونقاء الأرواح التي في الدماغ لأجل كثرة احلال أبخرته وأدخنته لكثرة سيل ذلك‏.‏ وكيف كانت هذه المداخلات‏.‏

فإنها تكون في باطن العظم أكثر منها في ظاهره وسبب ذلك أن الأبخرة إذا تمكنت أو لاً من النفوذ في العظام أمكنها بعد ذلك الانحلال من مسامها ولا كذلك إذا احتبست أو لاً لقلة الخلل‏.‏

ولو كانت المداخلات من خارج أكثر لكانت الزيادة تكون معطلة‏.‏

لأن القدر الذي ينفذ من الأبخرة في المداخلات الداخلة يتمكن من النفوذ في مثلها بل في أقل منها من الخارجة وكان يكون مع ذلك التركيب واهياً‏.‏ وشؤون مفاصل النساء أميل إلى الاستدارة مما للرجال‏.‏

وذلك ليكون تحلل أبخرة رؤوسهن أكثر لأن هذه الأبخرة والأدخنة في رؤوسهن أزيد‏.‏

ولذلك شعور رؤوسهن أطول‏.‏ والله أعلم‏.‏

  الفصل الثالث تشريح ما دون القحف

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وللرأس بعد هذا خمسة عظام‏.‏

إلى آخر الفصل‏.‏

الشرح إن الأطباء مختلفون في عدد هذه العظام وذلك أن منهم من يعد العظم الوتدي من عظام الفك الأعلى لا من عظام الرأس‏.‏ وهم الأكثر ون وبعضهم يجعله عظماً واحداً وهو المشهور‏.‏

وبعضهم يجعله عظمين لأنه أيضاً عند هؤلاء مقسوم بنصفين بدرز يقطعه في الطول على موازاة الدرز السهمي وهؤلاء يجعلون عظم الجبهة والجدار الرابع مقسومين أيضاً بنصفين نصفين إذ يجعلون بدن الإنسان كله مقسوماً بنصفين على محاذاة الدرز السهمي وبإزاء هؤلاء من منع ذلك وجعل عظم الفك الأسفل غير مقسوم إلى عظمين بل جعلهما عظماً واحداً ومنع اللحام الذي بين جانبيه البتة وأيضاً من الأطباء من يعد عظام الزوج من جملة عظام الرأس ثم اختلفوا في أنها أربعة عظام أو عظمان فقط من كل جانب عظم فلذلك أكثر ما قيل في هذه العظام أنها اثنا عشر عظماً أعني بذلك ما سوى عظمي اليافوخ من عظام الرأس اثنان وهما العظمان الحجريان واثنان هما عظما الجبهة واثنان هما الجدار الرابع واثنان هما العظم الوتدي وأربعة هن عظام الصدغين وتسمى عظام الزوج‏.‏

وأقل ما قيل فيها إنها أربعة هي الجدران وقيل إنها خمسة‏:‏ هي الجداران والوتدي‏.‏

وقيل إنها ستة‏:‏ هي الجداران وعظام الزوج وهن اثنان‏.‏

وقيل إنها سبعة‏:‏ الجدران والوتدي وعظما الزوج‏.‏

وقيل إنها ثمانية‏:‏ الجداران الأربعة وعظام الزوج وهن أربعة‏.‏

وقيل إنها تسعة‏:‏ الجدران الأربعة والوتدي وعظام الزوج وهي أربعة‏.‏

وقيل إنها عشرة‏:‏ الحجريان وعظما الجبهة وعظما الجدار الرابع وعظما العظم الوتدي وعظما الزوج‏.‏

ولم يقل أحد إنها أحد عشر‏.‏

فلنشرع الآن في تحديد هذه العظام‏.‏ ولنحدد أو لاً عظمي اليافوخ فنقول‏:‏ إن كل واحد من عظما اليافوخ يحده من فوق الدرز السهمي ومن تحت الدرز القشري الذي من جهته ومن قدام القوس من الإكليلي الذي هو يفصله ذلك الدرز القشري من تحت والسهمي من فوق‏.‏

ويحده من خلف خط مستقيم هو قطعة من الضلع الذي في تلك الجهة من ضلعي الدرز اللامي يفصله من تحت الدرز القشري ومن فوق الدرز السهمي‏.‏

وأما الجدار المقدم وهو عظم الجبهة وقد ذكرنا ما فيه من الخلاف في أنه عظم واحد أو عظمان يفصل بينهما مفصل درز آخذ من طرفي السهمي إلى ما بين الحاجبين‏.‏

وكيف كان فإن حد هذا العظم من فوق الدرز الإكليلي ومن تحت درز يمر تحت الحاجبين وينتهي طرفاه عند الدرز الإكليلي من الجانبين وذلك عند حفرتي الصدغين وهذا هو الدرز المشترك بين الرأس والفك الأعلى ومداخلاته قليلة فلذلك يشبه اللزاق‏.‏ وأما الجدار الرابع وهو عظم مؤخر الرأسين‏.‏

وقد ذكرنا أيضاً ما فيه من الخلاف بأنه عظم واحد أو عظمان يفصل بينهما درز آخذ من طرف السهمي إلى منتصف وتر الزاوية التي يحيط بها ضلعا اللامي‏.‏

وكيف كان فيحده من فوق الدرز اللامي ومن تحت مفصل الرأس مع الفقرة الأولى وأسفله مثقب وفيه الثقب الذي هو أعظم ثقب في عظام الرأس وهو الذي يخرج منه النخاع‏.‏

وقدام هذا الجدار مؤخر العظم الوتدي وهو عظم اسطوا ني الشكل وطرفاه مؤخرهما يتصل بهذا الجدار الرابع بدرز ينتهي من الجانبين إلى الدرز اللامي ومقدمهما يتصل بالفك أحدها‏:‏ أن يكون حاملاً لعظام الرأس كلها لأنها كلها تتصل به كالمبنية عليه‏.‏

وثانيها‏:‏ أن تسد الخلل الواقع بين أطراف العظام فلا يعرض لشيء منها تقلقل‏.‏

وثالثها‏:‏ أن تكون كالخشبة التي يدعم بها الجدران التي خيف عليها السقوط إلى جانب فتعمل مستندة إلى الجدار من ذلك الجانب ليمنع سقوطه إليه‏.‏

وكذلك يفعل بالأشجار ونحوها وتسمى هذه الخشبة في العرف العامي‏:‏ بالداقور‏.‏

وهذا العظم هو كذلك للفك الأعلى لأنه يحفظه عن الميل إلى خلف وخصوصاً عند ضربة تتفق عليه أو سقطة ونحوهما‏.‏

ورابعها‏:‏ أن يتصل به الفك الأعلى وعظام القحف بمفاصل موثقة فيكون بذلك اتصال الفك بتلك العظام اتصالاً محكماً‏.‏

ولهذه المنافع ولأجل أن هذا العظم موضوع حيث تكثر الفضول الرطبة نازلة من الرأس وصاعدة من البدن بخاراً جعل هذا العظم شديد الصلابة‏.‏

قال جالينوس‏:‏ وفي هذا العظم زائدتان شبيهتان بالحاجبين وعن جنبيهما حفرتان‏.‏

وأما الجداران اللذان يمنة ويسرة فيتخذ كل واحد منهما من فوق الدرز القشري الذي في ذلك الجانب وأما من خلف فاعلم أن الدرز اللامي بعد اعتراض الدرز الذي بين الجدار الرابع وبين مؤخر الوتدي وهو الذي تقدم ذكره يأخذ منحدراً من الجانبين ويمر بمفصل الرأس من الفقرة الأولى فإذا انتهى إلى الزاوية التي يوترها الدرز القشري من العظم الحجري صعد مشتركاً بين مقدم العظم الحجري وبين العظم الوتدي‏.‏

فإذا اتصل بطرف الإكليلي وذلك عند الموضعين العميقين اللذين في الصدغين رجع منحدراً إلى أسفل وسنذكر بعد هذا إلى ماذا ينتهي والقدر من هذا الدرز الذي بين هذين الموضعين أعني من التقاطع الواقع بين الإكليلي والدرز المشترك بين الرأس وعظم الجبهة إلى التقاطع الواقع بين اللامي والدرز المعترض‏.‏

وهو المشترك بين الجدار الرابع والوتدي لك أن تجعله جزءاً من الدرز اللامي كما قال جالينوس حين عرف هيئة الدرز اللامي‏.‏

ولك أن تجعله درزاً آخر متصلاً بطرفي اللامي من خلف وبطرفي الإكليلي من قدام كما هو ظاهر كلام الشيخ ها هنا‏.‏

ولك أن تجعله جزءاً من الإكليلي بأن يكون الإكليلي يمتد إلى طرفي اللامي من خلف ولا تختلف في ذلك إلا الأسماء فقط‏.‏

وكل واحد من العظمين الحجريين فإنه يحده من خلف الجزء الخلفي من هذا الدرز ويكون مشتركاً بينه وبين العظم الوتدي آخذاً في طول الوتدي‏.‏

ويحده من قدام تمام هذا الدرز وهو القدر الذي يصعد منه إلى طرف الإكليلي مشتركاً بين هذا الجدار وبين هذا العظم الوتدي في طول ذلك العظم الحجري وهيئة العظم الحجري هيئة مثلث قاعدته الدرز القشري‏.‏

وزاويته عند العظم الوتدي والضلعان المحيطان بهذه الزاوية هما قسما ذلك الدرز الذي تقدم ذكره وكل واحد من هذين العظمين أعني الحجريين قد قسمه المشرحون إلى ثلاثة أجزاء‏:‏ أحدها‏:‏ الجزء الذي فيه ثقب الأذن وهو شديد الصلابة يشبه الحجر ولذلك يسمى العظم الحجري وتسمى جملة هذا الجدار بذلك لأن فيه هذا الجزء وإنما زيد في صلابة هذا الجزء ليتدارك بها ما يوجبه ثقب السمع من ضعف الجرم‏.‏

فإن قيل‏:‏ كان ينبغي أن يسمى الجدار الرابع بالحجري أيضاً بل هو أولى بهذا الاسم لأنه أشد صلابة من هذا الجدار قلنا‏:‏ ليس كذلك لأنه أكثر صلابة من جملة هذا الجدار أعني‏:‏ الأيمن والأيسر‏.‏ وليس أزيد صلابة من هذا الجزء منه فيما أظن‏.‏

وفي هذا الجزء الزائد الذي يسمى بالميل ويسميها جالينوس بالإبرة‏.‏

وقال جالينوس‏:‏ إن هذا الجزء تحده زائدة الدرز اللامي ويريد بذلك أن هذه الزائدة تحده من قدام وخلف‏.‏

وثانيها‏:‏ الجزء الذي يلي هذا الجزء وهو عند الزائدتين الشبيهة إحداهما بحلمة الثدي والأخرى زائدة العظم الذي يسمى الزوج‏.‏

وفائدة الزائدة الحلمية أن تمنع مفصل الفك الأسفل من الانخلاع وهي غير موضوعة خلف ذلك المفصل‏.‏

وثالثها‏:‏ الجزء الذي يتلو هذا وهو في موضع الصدغ‏.‏

وهو ألين هذا الجدار والجزء الأوسط بين هذا وبين الجزء الحجري في الصلابة هذا وأما عظام الزوج فهي موضوعة فوق عضل الصدغين وهي من كل جانب عظمان ويفصل بينهما دروز ومنه وقعت التسمية بالزوج وقد خفى هذا الدرز على بعضهم حتى ظن أن في كل جانب عظماً واحداً‏.‏ وهذا الدرز في وسط الصدغ‏.‏

وأحد عظميه يلي مؤخر الرأس ويلتحم طرفه بالعظم الحجري والآخر يلي مقدم الرأس ويتصل طرفه بطرف الحاجب عند اللحاظ‏.‏

وهذه العظام دقيقة سهلة التجزؤ مما هي ملتصقة به بحيث تنثني بأدنى ضغط يضغطها من أسفل بمثل طرف السكين ونحو ذلك ولها فائدتان‏:‏ إحداهما‏:‏ ستر عضل الصدغين‏.‏

وإنما اختصت هذه العضل بذلك لأنها قريبة جداً من الدماغ‏.‏ ويلزم ذلك شدة استعدادها للتضرر بما يلاقيها بعنف‏.‏

والأمر الثاني‏:‏ أن تضررها كثيراً يتأدى إلى ضرر الدماغ‏.‏

والمنفعة الثانية‏:‏ أنها تستر الحفرتين اللتين عند الصدغين فلا يعرض في سطح موضعها ثلمة يكون شكل الوجه منها قبيحاً‏.‏

قوله‏:‏ ويحد كل واحد منهما من فوق الدرز القشري ومن أسفل درز يأتي من طرف الدرز اللامي ويمر به منتهياً إلى الدرز الإكليلي‏.‏ وأما جالينوس فقد عرفت قوله فيه‏.‏

وليس يريد بكونه يحد هذا الجدار من أسفل أن يكون موازياً للدرز القشري كما رأينا جماعة يتوهمون ذلك بل إنه يكون كضلعي مثلث يحيطان بزاوية وترها الدرز القشري لأن هذا الجدار شكله كما علمت شكل مثلث‏.‏

قوله‏:‏ ومن قدام جزء من الإكليلي ومن خلف جزء من اللامي‏.‏

هذا إنما يصح إذا لم يكن الدرز القشري والدرز المشترك بين عظم الجبهة والفك الأعلى كلاهما في سطح واحد‏.‏

بل كان أعلى منه حتى يبقى من الدرز الإكليلي جزء تحت موضع ابتداء الدرز القشري فيكون ذلك الجزء محدداً للعظم الحجري من قدام‏.‏

أعني بذلك أن يكون تمام حده القدامي إذ قد بينا أن حده القدامي هو الدرز المشترك بين ضلعه المقدم وبين العظم الوتدي‏.‏

وأما عدد الثقوب التي في عظم الرأس فستعرفه في كلامنا في مخارج العصب الدماغي ومداخل الأوردة والشرايين إليه لأن تلك الثقوب هي هذه المداخل والمخارج‏.‏ والله ولي التوفيق‏.‏